الصدق مع الله
من ألزم لوازم الإيمان الصدق ، هو المنزل الأقوم والأعظم ، الذي منه تنشأ جميع المنازل ، والطريق الأقوم الذي من لم يسر عليه فهو من المنقطعين الهالكين ، وبه تميز أهل النفاق من أهل الإيمان ، وسكان الجنان من أهل النار .
تعريف الصدق :
هو أشرف الفضائل النفسية، والمزايا الخلقية، فهو زينة الحديث ورواؤه، ورمز الاستقامة والصلاح، وسبب النجاح والنجاة، لذلك مجدته الشريعة الإسلامية وحرضت عليه، قرآنا وسنة. قال تعالى: " والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون، لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين" وهو المنجي في الآخرة وسبيل الفوز بجنة النعيم قال تعالى: " هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم، لهم جنات تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها أبدا" .
يعرف ابن القيم الصدق في مدارج السالكين بقوله : " هو الحق الثابت المتصل بالله الموصل إلى الله وهو ما كان به وله من الأقوال والأعمال وجزاء ذلك في الدنيا والآخرة " .
قال عبد الواحد بن زيد : الصدق الوفاء لله بالعمل .
وقيل : موافقة السر النطق وقيل أيضا : استواء السر والعلانية .
معينات الصدق مع الله :
1- الدعاء : يخاطب المولى تعالى نبيه الكريم بأن يدعو ربه أن يكون من الصادقين ابتداء وانتهاء " وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق"، وأخبر عن خليله إبراهيم عليه السلام أن يهب له لسان صدق في الآخرين " واجعل لي لسان صدق في الآخرين " وهو تعليم لنا أن نكثر من الدعاء بأن نكون مع الصادقين .
2- لزوم الجماعة :
كأن الله عز وجل يريد أن يعلمنا أنك لن تستطيع أن تتقي الله إلا إذا كنت في بيئة صادقة ، لذلك لا بد من حمية ، هذا الذي يعيش مع كل إنسان ، ويلتقي مع كل إنسان ، ويقيم علاقة حميمة مع كل إنسان ، هذا لن يستطيع أن يتقي الله عز وجل إلا إذا عاش مع المؤمنين الصادقين ، المؤمن الصادق يعطيك دفقة روحية عالية ، ويحيطك بأجواء الآخرة وبحسنات الطاعات ، بينما أهل الدنيا يحيطونك بالمعاصي والآثام ، يحببون الدنيا إليك ، يبغضون الآخرة إليك ، يزهدونك في طاعة الله ، يحببونك في المعصية وفي طريق النار ، فإن لم تكن معهم لا تستطيع أن تتقي الله عز وجل ، وهذه مشكلة المشاكل . الإنسان قد يأتي إلى المسجد فيصفو ، يعاشر زيداً أو عبيداً يتعكر ، لأنه عاشر من لا يليق أن يعاشر ، فهذه الآية أصل في قضية الصدق .
قضية المعية قضية أساسية في حياة المؤمن ، قل لي من تصاحب أقل لك من أنت ، قل لي مع من تقيم علاقة حميمة أقل من أنت (كلب أهل الكهف ذكر معهم وحمار عزير شرف بالذكر في القرآن).
* ننوه إلى قضية دقيقة وهي : أنه قد تدخل في مجال صادقاً ، ولا تخرج منه صادقاً ، والآية الكريمة واضحة المعنى :
الآية دقيقة جداً ، كان من الممكن أن تكون الآية : رب اجعلني صادقاً ، لا :أعمال كثيرة جداً في الدخول كان أربابها صادقين ، لكن في الخروج لم يكونوا صادقين .
* كلمة الصديق مشتقة من الصدق : فلا تصاحب إلا صادقا ولا تجعل لنفسك صديقا كاذبا أبدا .
3- المجاهدة : وأخطرها مجاهدة النيات و" من سأل الله الشهادة بصدق أعطيها ولو مات على فراشه " .
4- العلم : العلماء أكثر الناس خشية لله وأعمق الناس صدقا مع الله " إنما يخشى الله من عباده العلماء"
5- قراءة سير الصادقين: من الأنبياء والصحابة والتابعين والعلماء الربانيين ( قصة الصحابي : صدق الله فصدقه الله بعدما ضرب بسهم لحظات بعد إسلامه ) .
- "رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه " (عمير بن الحمام ، أنس بن النضر) .
- أمنية عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يموت شهيدا في المدينة .
مظاهر الصدق مع الله :
الصدق مع الله " أجل أنواع الصدق، ويكون المسلم صادقاً مع ربِّه تعالى إذا حقَّق الصدق في جوانب ثلاثة :
أ- الإيمان والاعتقاد الحسَن . ( أخلاق مع الله)
ب- والطاعات ( أخلاق مع النفس)
ت- الأخلاق . فليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ( أخلاق مع خلق الله ) .
وقد بَينَّ الله تعالى الصادقين في آية واحدة ، وهي قوله عز وجل : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَة وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْس)ِ ثم قال سبحانه بعد هذه الأوصاف كلها: (أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) البقرة/ 177 .
وينتج عن كل هذا - كما قال العلامة ابن القيم الجوزية- : صدق الأحوال وصدق الأقوال وصدق الأفعال .
ثم قال " الصدق في الأقوال : استواء اللسان على الأقوال كاستواء السنبلة على ساقها .
والصدق في الأعمال استواء الأفعال على الأمر والمتابعة كاستواء الرأس على الجسد .
والصدق في الأحوال استواء القلب والجوارح على الإخلاص واستفراغ الوسع وبذل الطاقة . فبذلك يكون العبد من الذين جاؤوا بالصدق وبحسب كمال هذه الأمور فيه وقيامه بها تكون صديقيته ولذلك كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه ذروة سنام الصديقية ، والصديق أبلغ من الصدوق ومن الصادق .
فأعلى مراتب الصدق بعد النبوة : مرتبة الصديقية ، قال بعضهم في تفسيرها : كمال الانقياد للرسول صلى الله عليه وسلم ، مع كمال الإخلاص لله .
* الصدقة مشتقة من الصدق لاختبار صدقك مع الله " مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم" .
الصدق في القرآن الكريم
قد أمر الله تعالى رسوله : أن يسأله أن يجعل مدخله ومخرجه على الصدق فقال : وقل : رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا [ الإسراء : 80 ] وأخبر عن خليله إبراهيم أنه سأله أنه يهب له لسان صدق في الآخرين فقال : " واجعل لى لسان صدق في الآخرين " وبشر عباده بأن لهم عنده قدم صدق ومقعد صدق فقال تعالى : " وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم " وقال : "إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر " .
فهذه خمسة أشياء استخرجها الإمام الجليل ابن القيم الجوزية من القرآن الكريم في مدارجه : مدخل الصدق و مخرج الصدق ولسان الصدق وقدم الصدق ومقعد الصدق .
مدخل الصدق ومخرج الصدق : أن يكون دخوله وخروجه حقا ثابتا بالله وفي مرضاته بالظفر بالبغية وحصول المطلوب ضد مخرج الكذب ومدخله الذي لا غاية له يوصل إليها ولا له ساق ثابتة يقوم عليها كمخرج المشركين يوم بدر ومخرج الصدق كمخرجه صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه في تلك الغزوة . أو خروجه من مكة ودخوله المدينة .
لسان الصدق : فهو الثناء الحسن عليه صلى الله عليه وسلم من سائر الأمم بالصدق ليس ثناء بالكذب .
وقدا قال عن إبراهيم وذريته من الأنبياء والرسل عليهم صلوات الله وسلامه : " وجعلنا لهم لسان صدق عليا " والمراد باللسان ههنا : الثناء الحسن فلما كان الصدق باللسان وهو محله أطلق الله سبحانه ألسنة العباد بالثناء على الصادق جزاء وفاقا وعبر به عنه .
- اللسان قد يكون الجارحة أو اللغة في القرآن ( لا تحرك به لسانك لتعجل به) ( اختلاف ألسنتكم وألوانكم) .
قدم الصدق : فسر بالجنة ، وفسر بمحمد صلى الله عليه وسلم وفسر بالأعمال الصالحة ، وحقيقة القدم ما قدموه وما يقدمون عليه يوم القيامة وهم قدموا الأعمال والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ويقدمون على الجنة التي هي جزاء ذلك .
مقعد الصدق : هو الجنة عند المولى تبارك وتعالى .
ملاحظة : هذا الموضوع ملخص للمداخلة التي قدمتها في المخيم الولائي السادس يوم 06/07/2009 بشاطئ عين ابراهيم بسيدي لخضر .[right]